خالد آيت الطالب..زهر فاس

24 أكتوبر 2025آخر تحديث : منذ 5 أيام
med246
مجتمع
خالد آيت الطالب..زهر فاس

زون24
لم يكن تعيين خالد آيت الطالب والياً على جهة فاس مكناس، وعاملاً على عمالة فاس، مجرد حركة إدارية عادية ضمن لائحة التعيينات التي صادق عليها المجلس الوزاري الأخير برئاسة جلالة الملك محمد السادس يوم الأحد 19 أكتوبر 2025، بل كان بمثابة تتويج لمسار رجلٍ طبع القطاع الصحي خلال السنوات الأخيرة، وخرج من معارك السياسة والبيروقراطية أقوى مما دخلها، في مشهد يؤكد أن من «زهر فاس» ان يكون فيها الرجل واليا
آيت الطالب، القادم من عالم الطب والجراحة، كان في نظر الكثيرين واحداً من أكثر وزراء الصحة إثارةً للجدل. فمنذ أول تعيين له على رأس الوزارة في حكومة سعد الدين العثماني، ثم في حكومة عزيز أخنوش، عرف عنه الجمع بين الانضباط الإداري والصرامة في تدبير الملفات، مقابل توتر علاقاته أحياناً مع بعض الفاعلين النقابيين والسياسيين. ومع ذلك، كان الرجل يحتفظ دائماً بثقة المؤسسة الملكية، التي أعادت تعيينه أكثر من مرة، وأناطت به مسؤوليات دقيقة في مراحل مفصلية من تدبير قطاع الصحة، خاصة خلال جائحة كوفيد-19 وما بعدها.
لكن ما يميز خالد آيت الطالب هو قدرته على العودة القوية بعد كل توقف. فحين غادر الوزارة مؤقتاً سنة 2022، ظن كثيرون أن مساره العمومي قد وصل إلى نهايته، غير أن الرجل عاد بقوة إلى الحكومة في تعديل لاحق، مستمراً في تنفيذ خريطة الطريق الملكية لإصلاح المنظومة الصحية. واليوم، ومع تعيينه والياً على جهة فاس مكناس، يبدو أنه ينتقل من تدبير مرفق وطني حساس إلى إدارة ترابية ذات رمزية تاريخية وثقل اقتصادي واجتماعي كبير.
فاس ليست جهة عادية؛ هي العاصمة الروحية للمملكة، ومهد الجامعة العريقة القرويين، ومدينة ذات حساسية سياسية وثقافية، تحتاج إلى شخصية تجمع بين الانضباط التقني والحس التواصلي والقدرة على الوساطة بين مختلف الفاعلين. وآيت الطالب، بما راكمه من خبرة في تدبير الأزمات، يبدو مؤهلاً لتحمل هذه المهمة الجديدة التي تأتي في سياق دينامية إصلاح الإدارة الترابية وتفعيل الجهوية المتقدمة التي دعا إليها جلالة الملك مراراً.
التحدي اليوم أمامه كبير: كيف سيوفّق بين إرث فاس العميق وتطلعات شبابها؟ كيف سيجعل من جهة فاس-مكناس نموذجاً في الحكامة الجهوية والتنمية المستدامة؟ وكيف سيتعامل مع تركة من المشاريع المتعثرة ومناطق تعاني من تفاوتات مجالية واضحة؟
الذين يعرفون خالد آيت الطالب عن قرب يقولون إنه لا يستسلم بسهولة. هادئ في مظهره، لكنه صلب في قراراته، يفضل العمل على الصدام، ويميل إلى النتائج أكثر من الخطابات. وربما لهذا السبب، نجح في البقاء على مقاعد المسؤولية في أكثر من محطة، حتى حين سقط كثيرون من حوله.
تعيين آيت الطالب على رأس جهة فاس-مكناس يفتح صفحة جديدة في مساره، ويمنح فاس فرصة جديدة لاستعادة بريقها الإداري والاقتصادي. وربما سيكون على الرجل أن يثبت، مرة أخرى، أن الحظ لا يكفي وحده لصنع النجاح، وأن «زهر فاس» الحقيقي هو في الكفاءة، والانضباط، وخدمة الوطن من أي موقع.
في النهاية، قد يكون خالد آيت الطالب مثالاً آخر على أولئك الذين يُولدون في الدولة ويعيشون فيها، يتقنون لغتها، ويفهمون إيقاعها، ويتحولون مع مرور الوقت إلى رموز في منظومة تستند إلى الثقة الملكية والانضباط المؤسساتي. وبين الجراحة والسياسة، وبين الوزارة والولاية، يواصل الرجل رحلته في خدمة المغرب.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة