هؤلاء الذين سارعوا إلى إطلاق تفسيرات ملتوية بشأن قرار رئيس الحكومة إيقاف حملة قياس سرعة الدراجات النارية، واعتبروه دليلا على وجود خلاف داخل الأغلبية أو محاولة لتسجيل النقاط بين مكوناتها.
هم أنفسهم الذين كانوا سيقيمون الدنيا ولن يقعدوها لو لم يتدخل رئيس الحكومة لإيقاف هذه الحملة.
بل كانوا سيسارعون إلى تدبيج البلاغات والتدوينات متهمينه بالتقاعس عن ممارسة اختصاصاته الدستورية والتنصل من مسؤوليته السياسية.
وهم أنفسهم الذين انتقدوا سفره مع عائلته الصغيرة لأيام معدودة خارج البلاد بذريعة الإضرار بالسياحة الوطنية !
وما إن خرج يتجول في حديقة عمومية بالجماعة التي يرأسها، حتى انقلب خطابهم رأسا على عقب، واجتهدوا في تبخيس هذه الجولة العفوية، واعتبارها مجرد صور عابرة في أماكن عامة، بل ووصفها بحملة انتخابية سابقة لأوانها.
هؤلاء الذين حاولوا إقناعنا بأن تشجيع السياحة الوطنية يختزل في صورة لمسؤول عمومي يقضي عطلته داخل الوطن !
هم أنفسهم الذين التزموا الصمت إزاء تحقيق السياحة رقما قياسيا غير مسبوق في تاريخ بلادنا، ببلوغ 17.4 مليون سائح سنة 2024 !
وهم أنفسهم الذين ادعوا وجود صراع بين رئيس الحكومة ووزير الداخلية بسبب إشراف هذا الأخير على الانتخابات، مع أنهم – ولا شك – كانوا سيسارعون للتنديد والاستنكار لو أشرف رئيس الحكومة نفسه على العملية الانتخابية، بحجة أنه لا يعقل أن يشرف على الاستحقاقات من يطمح جديا لتصدرها من جديد !
هؤلاء هم أنفسهم الذين دأبوا على استهداف رئاسة الحكومة في كل مناسبة وبدون مناسبة.
و فجأة انتابتهم الغيرة على هذه المؤسسة بعد صدور بلاغ وزير الداخلية بخصوص برامج التنمية المجالية الموجهة للعالم القروي !
بل وتفتقت عبقريتهم إلى حد اعتبار الأمر صراعا بين رئيس الحكومة ووزيره، متناسين أو متجاهلين أن الدستور خول للولاة والعمال تنفيذ برامج الحكومة على المستوى الترابي، باعتبارهم منسقي المصالح الخارجية للقطاعات الوزارية الحكومية.
هؤلاء هم أنفسهم الذين احتفوا بخبر مشاركة السلطات المحلية في تأطير عملية دعم القطيع، (نظرا لانتشارها الترابي الذي يسهل عملية التنزيل)، واعتبروا ذلك تجاوزا للحكومة ولوزارة الفلاحة !
لكنهم لجأوا إلى منطق “اعمل نفسك ميت” عندما أعلن وزير الفلاحة، في ندوة صحفية، عن إطلاق برنامج وطني لدعم مربي الماشية وإعادة تشكيل القطيع الوطني بميزانية تفوق 6 مليارات درهم، مفضلين الصمت المطبق على التفاعل مع تفاصيل ومحاور هذا البرنامج فقط لأن وزارة الفلاحة من عملت على إعداده وإطلاقه !
وهم أنفسهم الذين يتباكون دائما مطالبين بتواصل رئيس الحكومة مع المواطنين، وحين يخرج للتواصل في لقاءات جماهيرية، تتحول شكاواهم إلى نحيب وصراخ، معتبرين ذلك “حملة انتخابية سابقة لأوانها”!
الحاصول هو أن هؤلاء يصرفون فقط مواقف مسبقة لأجندات إما سياسية أو انتخابية، وأحيانا بدوافع انتقامية أو ابتزازية. حيث تتلون خطاباتهم وتتنوع أساليبهم، بغايات وأهداف تخدم هذه الأجندات بعيدا كل البعد عن تقييم التدابير القرارات، ناهيك عن مراعاة مصلحة المواطنين.
– منير الأمني –