كلمة السيد الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة
ألقاها بالنيابة عنه الكاتب العام لرئاسة النيابة العامة السيد هشام بلاوي
بمناسبة افتتاح أشغال الدورة التكونية الجهوية الثالثة
حول
استخدام أدلة الطب الشرعي
في التحري والتحقيق في ادعاءات التعذيب
طبقا لبرتوكول استنبول في صيغته المراجعة
المنظمة من طرف رئاسة النيابة العامة
بشراكة مع المجلس الأعلى للسلطة القضائية
وبدعم من مركز جنيف لحوكمة قطاع الأمن
طنجة
12-14 فبراير 2025
بسم الله الرحمان الرحيم
والصلاة والسلام على رسوله الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين.
السيدات والسادة المسؤولون القضائيون؛
السيدات والسادة القضاة؛
السيدات والسادة ممثلو المؤسسات الوطنية؛
السيدة ممثلة مركز جنيف لحوكمة قطاع الأمن؛
السادة الخبراء؛
أيها الحضور الكريم.
يسعدني أن أشارك معكم اليوم في افتتاح أشغال هذه الدورة التكوينية الجهوية الثالثة بمدينة طنجة والتي تندرج ضمن برنامج تعزيز القدرات في مجال استخدام أدلة الطب الشرعي في التحري والتحقيق في ادعاءات التعذيب طبقا لبرتوكول استنبول في صيغته المراجعة الذي أطلقته رئاسة النيابة العامة بشراكة مع المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وبدعم من مركز جنيف لحوكمة قطاع الأمن، في ندوة وطنية بتاريخ 07 أكتوبر 2024، نظمت على إثرها دورتان جهويتان، الأولى بمدينة الرباط بتاريخ 08 و09 أكتوبر 2024 استفاد منها 68 مشاركا والثانية بمدينة مراكش بتاريخ 27-28-29 نونبر 2024 استفاد منها 80 مشاركا أغلبهم من قضاة النيابة العامة وقضاة الحكم وقضاة التحقيق، فضلا عن ممثلين عن الشرطة القضائية والمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الادماج وأطباء شرعيون، ومؤسسات وطنية أخرى.
ويأتي تنظيم هذه الدورة الجهوية الثالثة والتي ستليها دورة جهوية رابعة بمدينة فاس خلال الأسبوع المقبل بحول الله، لتمكين أكبر عدد ممكن من الفاعلين الأساسيين المعنيين بالموضوع ولا سيما من قضاة الحكم وقضاة التحقيق من جميع الدوائر القضائية بالمملكة، ومن الضابطة القضائية والمندوبية العامة لإدارة السجون على مستوى الجهات المعنية للاستفادة من هذا البرنامج، حيث سيشارك في هذه الدورة حوالي 50 قاضيا وقاضية منتدبين من كافة محاكم الدوائر الاستئنافية بكل من طنجة والحسيمة والقنيطرة وتطوان والدار البيضاء والجديدة، فضلا عن مشاركة ممثلين عن الشرطة القضائية والمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الادماج وأطباء شرعيين.
حضرات السيدات والسادة؛
إن اعتمادنا لهذا البرنامج التكويني التخصصي يستحضر الالتزامات الدولية للمملكة المغربية المترتبة عن انخراطها في المنظومة الدولية لحقوق الإنسان وإرادتها الراسخة في تعزيز حماية حقوق الإنسان والنهوض بها، من خلال إعمال المعايير الدولية المترتبة عن الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها المملكة المغربية في مجال حقوق الإنسان وإدماجها في التشريعات الوطنية واستحضارها في الممارسات اليومية لمختلف المؤسسات والجهات المعنية.
وبهذه المناسبة يجدر استحضار مضامين الرسالة السامية لجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، الموجهة للمشاركين في المناظرة الدولية التي احتضنتها مدينة الرباط يومي 7 و8 دجنبر 2023، بمناسبة الاحتفاء بالذكرى 75 للإعلان العالمي لحقوق الانسان، حيث أكد جلالته على ما يلي” وإن تشبثنا الراسخ بالدفاع عن هذه الحقوق وتكريسها، لا يعادله إلا حرصنا الوطيد على مواصلة ترسيخ وتجويد دولة الحق والقانون وتقوية المؤسسات، باعتباره خياراً إرادياً وسيادياً، وتعزيز رصيد هذه المكتسبات، بموازاة مع التفاعل المتواصل والإيجابي مع القضايا الحقوقية المستجدة، سواء على المستوى الوطني أو ضمن المنظومة الأممية لحقوق الإنسان”. انتهى النطق الملكي.
وفي هذا الإطار، لا بد من التذكير بمقتضيات الدستور المغربي ولاسيما تلك الواردة في الباب الثاني منه المتعلق بالحقوق والحريات وغيرها من المقتضيات التي عززت الضمانات القانونية والقضائية لحماية حقوق الإنسان والنهوض بها والتي شكلت منطلقا للعديد من الإصلاحات التشريعية والمؤسساتية ببلادنا.
ومن بين تلك المقتضيات ما جاء في الفصل 22 الذي ينص على حماية السلامة الجسدية والمعنوية للأشخاص وعدم جواز معاملة الغير تحت أي ذريعة، معاملة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة أو حاطة من بالكرامة الإنسانية، وعلى تجريم التعذيب بكافة أشكاله، وما جاء في الفصل 23 الذي عزز الضمانات القانونية الأساسية لحماية حقوق المتهم بما في ذلك الوقاية من التعذيب وسوء المعاملة حيث نص على احترام الإجراءات القانونية المطبقة في حال إلقاء القبض على أي شخص أو اعتقاله أو متابعته أو ادانته، و إخبار كل شخص تم اعتقاله بشكل فوري بدواعي اعتقاله وبحقوقه التي منها الحق في التزام الصمت، وتمكينه من الاستفادة من المساعدة القانونية، والاتصال بأقربائه طبقا للقانون. كما نص هذا الفصل على ضمان قرينة البراءة والحق في محاكمة عادلة وتمتيع الشخص المعتقل بحقوق أساسية وبظروف اعتقال إنسانية، وهي الضمانات القانونية الأساسية التي كرسها قانون المسطرة الجنائية في المادة 66 منه ولا سيما الحق في الاتصال بمحام والحق في التزام الصمت والحق في الاتصال بالأقارب.
وتفعيلا لالتزامات بلادنا الدولية في مجال حقوق الإنسان وخصوصا بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب وللمقتضيات القانونية المذكورة، تحرص رئاسة النيابة العامة على جعل حماية حقوق الإنسان ومكافحة التعذيب من أولويات السياسة الجنائية، وتخصص حيزا من تقاريرها السنوية للجوانب ذات الصلة بالمعالجة القضائية لقضايا التعذيب ومتابعة شكايات ادعاءات العنف وسوء المعاملة.
كما يضطلع قضاة النيابة العامة بدور فعال في منع التعذيب وغيره من أشكال سوء المعاملة بالحرص على تطبيق المقتضيات القانونية المتعلقة بالوقاية منه ومكافحته، والتفاعل مع الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب المحدثة لدى المجلس الوطني لحقوق الإنسان بموجب البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب، وكذا من خلال زيارة أماكن الحرمان من الحرية. هذا فضلا عن التحري والتحقيق في الشكاوى المتعلقة بادعاءات التعذيب المقدمة إليهم، وعرض المعتقلين على الخبرة الطبية كلما اقتضت الضرورة ذلك وفقا للمادة 73 من قانون المسطرة الجنائية التي تنص على أنه ” … يتعين على الوكيل العام للملك إذا طلب منه إجراء فحص طبي أو عاين بنفسه آثارا تبرر ذلك أن يخضع المشتبه فيه لذلك الفحص. إذا تعلق الأمر بحدث يحمل آثارا ظاهرة للعنف أو إذا اشتكى من وقوع عنف عليه يجب على ممثل النيابة العامة وقبل الشروع في الاستنطاق إحالته على فحص يجريه طبيب. ويمكن أيضا لمحامي الحدث أن يطلب إجراء الفحص المشار إليه في الفقرة السابقة”.
حضرات السيدات والسادة؛
إن أهمية برتوكول استنبول، الذي تم اعتماده سنة 1999 وتمت مراجعته سنة 2022، لا تنحصر فقط فيما يحمله من مبادئ وشروط يتعين أن يتقيد بها الخبير الطبي ويستحضرها القضاة وموظفو إنفاذ القانون، بل إن تزايد الاهتمام به انعكس في عمل هيئات المعاهدات ولاسيما لجنة مناهضة التعذيب التي تستحضره بمناسبة فحص تقارير الدول الأطراف في اتفاقية مناهضة التعذيب في البعد المتعلق بالتوعية والتكوين في هذا المجال حيث تخصص جزءا من ملاحظاتها الختامية وتوصياتها لهذا الموضوع.
حضرات السيدات والسادة؛
إن اعتماد هذا البرنامج الخاص الذي يأتي في إطار مواصلة تنفيذ برنامج تعزيز قدرات القضاة في مجال حقوق الإنسان، يشمل، بالإضافة إلى تنظيم أربع دورات تكوينية، حرصنا على أن يتم تأطيرها من طرف خبراء دوليين من بينهم من شاركوا في إعداد الصيغة المراجعة لبرتوكول استنبول وآخرون لهم خبرة وتجربة في هذا المجال، تنظيم دورة خاصة لفائدة الأطباء الشرعيين ودورة خاصة بتكوين المكونين، فضلا عن تكوين فريق يسهر على إعداد دليل وطني خاص بالموضوع.
وأود في ختام هاته الكلمة، أن أتقدم بجزيل الشكر إلى السيد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية على دعمه في تنفيذ هذا البرنامج وتفاعله الدائم مع كافة المبادرات التي تقوم بها رئاسة النيابة العامة، كما أشكر مركز جنيف لحوكمة قطاع الأمن على دعمه لهذا البرنامج.
وأتوجه بالشكر أيضا للخبراء الدوليين الذين تحملوا عبئ السفر وقبلوا المشاركة في تأطير دورات هذا البرنامج، ولكل من ساهم في إعداده وتفعيله، آملين أن يساهم في تعميق وعي المشاركين فيه وتعزيز قدراتهم في مجال استخدام أدلة الطب الشرعي في التحري والتحقيق في ادعاءات التعذيب وسوء المعاملة.
وفقنا الله جميعا لتحقيق كل ما يعزز الرفع من مستوى أداء عدالتنا، ولكل ما فيه خير بلادنا تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، وأقر عينه بولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير الجليل مولاي الحسن، وشد أزره بصـنوه الرشيد الأمير مولاي رشيد وكافة أفراد أسرته الشريفة، إنه سميع ومجيب للدعاء.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.